وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب (44) {سورة يوسف}‏

نسبه عليه السلام قيل هو أيوب بن موص بن رازخ بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل

وقيل غير ذلك في ‏نسبه، الا أن الثابت أنه من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام.وحُكي أن

أمه بنت نبي الله لوط عليه السلام. وأما زوجته فقيل: إن اسمها رحمة بنت يوسف ‏بن يعقوب

وقيل غير ذلك. وكان عليه الصلاة والسلام عبدًا تقيًا شاكرًا لأنعم الله رحيمًا بالمساكين

يُطعم الفقراء ويعين ‏الأرامل ويكفل الأيتام، ويكرم الضيف، ويؤدي حق الله عليه على أكمل وجه.‏

إبتلاء الله لأيوب عليه السلام

‏ يقول الله تبارك وتعالى:‏

واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنى مسنى
الشيطان بنصب وعذاب (41) {سورة ص}

‏ كان أيوب كثير المال ءاتاه الله الغنى والصحة والمال
وكثرة الأولاد

وابتلاء بالنعمة والرخاء ولم ‏تفتنه زينة الحياة الدنيا ولم تخدعه ولم تشغله

عن طاعة الله، وكان عليه السلام يملك ‏الأراضي المتسعة من أرض حوران، ثم ابتلاه الله بعد ذلك

بالضر الشديد في جسده وماله ‏وولده فقد ذهب ماله ومات أولاده جميعهم، فصبر على ذلك صبرا

جميلا ولم ينقطع عن عبادة ‏ربه وشكره، وفوق هذا البلاء الذي ابتلي به في أمواله وأولاده

ابتلاه الله بأنواع من الأمراض ‏الجسيمة في بدنه حتى قيل: إنه لم يبقى من جسده سليمًا إلا قلبه ولسانه

يذكر الله ‏عزوجل بهما، وهو في كل هذا البلاء صابر محتسب يرجو ثواب الله في الآخرة، ذاكرًا لمولاه

‏في جميع أحواله في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.‏

وطال مرضه عليه الصلاة والسلام ولزمه ثماني عشرة سنة وكانت زوجته لا تفارقه صباحًا ‏ولا مساء

إلا بسبب خدمة الناس بالأجرة لتطعمه وتقوم بحاجاته، وكانت تحنو عليه وترعى له ‏حقه وتعرف قديم إحسانه

إليها وشفقته عليها وحسن معاشرته لها في حالة السراء، لذلك ‏كانت تتردد إليه فتصلح من شأنه وتعينه

على قضاء حاجته ونوائب الدهر، وكانت تخدم الناس ‏لتطعمه الطعام وهي صابرة محتسبة

ترجو الثواب من الله تبارك وتعالى.‏

دعاء أيوب لله تعالى ‏


كثرت البلايا والأمراض على نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام طيلة ثماني عشرة سنة، ‏

وهو صابر محتسب يرجو الثواب
من الله تعالى، فدعا الله وابتهل إليه بخشوع وتضرع قائلا:

وأيوب إذ نادى
ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (83) {سورة الأنبياء}‏

‏ ثم خرج عليه السلام لقضاء حاجته وأمسكت زوجته بيده إلى مكان بعيد عن أعين الناس

‏لقضاء حاجته فلما فرغ عليه السلام أوحى الله تبارك وتعالى إليه في مكانه:‏

أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب (42) {سورة ص}‏

فأمره الله تعالى أن يضرب برجله الأرض،

فامتثل عليه السلام ما أمره الله به وأنبع الله تبارك ‏وتعالى له بمشيئته وقدرته

عينين فشرب من إحداهما واغتسل من العين الأخرى فأذهب ‏الله عنه

ما كان يجده من المرض وتكاملت العافية وأبدله
بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة

ولما ‏استبطأته زوجته وطال انتظارها، أقبل نبي الله أيوب عليه السلام إليها سليمًا صحيحًا

على ‏أحسن ما كان فلما رأته لم تعرفه فقالت له:

بارك الله فيك هل رأيت نبي الله أيوب هذا ‏المبتلى؟ فوالله على ذلك ما رأيت

رجلا أشبه به منك إذ كان صحيحًا، فقال لها عليه الصلاة ‏والسلام: فإني أنا هو.‏

وكان لنبي الله أيوب عليه السلام بيدران بيدر للقمح وبيدر للشعير فبعث الله تبارك وتعالى ‏بقدرته

سحابتين فلما كانت إحداهما على بيدر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض

‏وأفرغت السحابة الأخرى على بيدر الشعير الفضة حتى فاض وعم

وبينما كان أيوب عليه ‏السلام يغتسل خرّ عليه وسقط جراد من ذهب

وهذا إكرام من الله تعالى لنبيه أيوب عليه ‏السلام ومعجزة له

فشرع عليه السلام يحثي ويجمع في الثوب الذي كان معه استكثارًا من ‏البركة والخير

الذي رزقه الله إياه، فناداه ربه: يا أيوب
ألم أكن أغنيتك عما ترى

فقال عليه ‏الصلاة والسلام: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك، رواه البخاري وأحمد

من حديث أبي ‏هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، ورواه أحمد في مسنده موقوفًا

ورواه بنحوه ابن أبي حاتم ‏وأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه بإسناد على شرط الصحيح.‏

وأغنى الله تبارك وتعالى عبده أيوب بالمال الكثير بعد أن كان قد فقد أمواله .

ورد الله تبارك ‏وتعالى لأيوب عليه السلام أولاده
فقد قيل:

أحياهم الله تبارك وتعالى له بأعيانهم، وزاده ‏مثلهم معهم فضلا

منه وكرمًا، والله يؤتي فضله من يشاء ويرزق من يشاء بغير حساب.‏

يقول الله تبارك وتعالى:‏

وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين (83)

فإستجبنا له فكشفنا ما به من ضر ‏وءاتيناه أهله ومثلهم معهم
رحمة من عندنا وذكرى للعابدين (84) {سورة الأنبياء}


‏ أيوب يبر بيمينه ولا يحنث ‏ضاق الحال بزوجة أيوب عليه السلام


ذات يوم فباعت نصف شعرها لبعض بنات الملوك ‏فصنعت له من ثمنه طعامًا

فحلف أيوب عليه الصلاة والسلام أن شفاه الله تعالى
ليضربنها ‏مائة جلدة

ولما أراد أيوب عليه الصلاة والسلام أن يبر بيمينه بعد شفائه أمره الله أن يأخذ ‏ضغثًا وهو الحزمة من الحشيش

أو الريحان أو ما أشبه ذلك فيه مائة قضيب فيضرب بها ‏زوجته ضربة واحدة وبذلك لا يحنث في يمينه

ولقد شرع الله تعالى له ذلك رحمة
بها ‏ولحسن خدمتها إياه وشفقتها عليه أثناء مرضه ومصائبه

التي ابتلي بها طوال الثماني ‏عشرة سنة التي ابتلاه الله بها، ولأنها كانت

امرأة مؤمنة صالحة تقية صابرة تؤدي حق زوجها ‏عليها وتحسن معاشرته في السراء والضراء

وهذا من الفرج والمخرج لمن
اتقى الله تعالى ‏وأناب إليه وخافه.‏

موت أيوب عليه السلام


لقب نبي الله أيوب عليه السلام بالصديق وضرب به المثل في الصبر بسبب صبره الجميل

‏طيلة الثماني عشرة سنة على
المصائب والبلايا

وعاش أيوب عليه الصلاة والسلام بعد رفع ‏الضر والمصائب عنه مسارعًا

في طاعة الله لا تغره الحياة الدنيا وزهرتها يؤدي ما فرض الله ‏عليه ويدعو إلى


دين الإسلام وعبادة الله وحده لا شريك له ويستعمل ما رزقه الله من أموال ‏كثيرة في طاعة الله

إلى أن توفاه الله وهو عنه راض.‏ وقيل إنه لما توفي كان عمره ثلاثًا وتسعين سنة، وقيل أكثر من ذلك.‏

عصمة أيوب من الأمراض المنفرة ‏


اعلم رحمك الله بتوفيقه أن علماء العقيدة قد قرروا أن أنبياء الله ورسله هم

صفوة خلق الله، ‏فيجب للأنبياء الصدق ويستحيل عليهم الكذب


ويجب لهم الفطانة(الذكاء)ويستحيل عليهم ‏البلادة والغباوة، ويجب لهم

الصيانة فيستحيل عليهم الرذيلة والسفاهة والجبن، ويجب لهم ‏الأمانة

ويستحيل عليهم الخيانة، فالأنبياء سالمون من الكفر وكبائر الذنوب وصغائر الخسة ‏كسرقة حبة عنب

وكذلك يستحيل عليهم الأمراض المنفرة

التي تنفر الناس عنهم، وهذا من ‏العصمة الواجبة لهم.‏