الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله
لو تدبرنا في القرآن لرأينا كيف يكون التأدب مع الله في نسبة الخير إليه أما
الشر فلا ينسب إليه مع أنه هو من خلقه
تابعوا وتأملوا
قول الخضر عليه السلام عن السفينة : ( فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ) هو من التأدب مع
الله تعالى ، حيث نسب إرادة العيب إلى نفسه ، ولم ينسبه إلى الله مع أنه هو
الذي قدَّره ، تأدباً مع ربه سبحانه .
وأما قوله :
( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ )
فهو جار على الأصل من نسبة الخير إلى الله تعالى .
وقد كان من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى وفيه كما الأدب
قوله :
(وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) رواه مسلم (771) .
قال النووي :
" قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى الْأَدَب فِي الثَّنَاء عَلَى
اللَّه تَعَالَى , وَمَدْحه بِأَنْ يُضَاف إِلَيْهِ مَحَاسِن الْأُمُور دُون مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَة
الْأَدَب " انتهى .
قال ابن القيم :
" الطريقة المعهودة في القرآن الكريم هي أن أفعال الإحسان والرحمة والجود
تضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، فيذكر فاعلها منسوبة إليه ولا يبني الفعل معها
للمفعول ، فإذا جيء بأفعال العدل والجزاء والعقوبة حذف وبني الفعل معها
للمفعول أدبا في الخطاب ، وإضافته إلى الله تعالى أشرف قسمي أفعاله .
فمنه قوله تعالى :
( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
[يعني أنه في الإنعام قال :
(أنعمت) وفي الغضب قال :
(المغضوب عليهم) ولم يقل : غضبت عليهم] .
ونظيره قول إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه
( الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين )
الشعراء/78-80 .
فنسب الخلق والهداية والإحسان بالطعام والسقي إلى الله تعالى ، ولما جاء
إلى ذكر المرض
قال :
( وإذا مرضت )
ولم يقل : ( أمرضني )
وقال : ( فهو يشفين ) .
ومنه قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن : (
وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا )
الجن/10 .
فنسبوا إرادة الرشد إلى الرب ، وحذفوا فاعل إرادة الشر ،
وبنوا الفعل للمفعول .
"بدائع الفوائد" (2/256) .
" ومثله قوله :
( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق
والعصيان )
الحجرات/7 .
فنسب هذا التزيين المحبوب إليه ، وقال :
( زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين ... ) آل عمران/14 ،
فحذف الفاعل المُزَيِّن "
"بدائع الفوائد" (2/440) .
وقال القرطبي رحمه الله :
قال تعالى :
( بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه ، وإن كان بيده الخير
والشر والضر والنفع ، إذ هو على كل شيء قدير " انتهى .
"الجامع لأحكام القرآن" (11 / 39-40) .