فوزية سلامة
قبل ايام فاجأني زوجي بالقول إن الرجال اطيب من النساء بكثير. فاجأني. فاكتفيت برد قصير وهو ان هناك الطيبين وهناك الطيبات كما ان هناك الخبيثين والخبيثات. ولم يكن ردي مبنيا على معلومات مؤكدة او دراسة وانما على انطباع عام الى ان قرأت ما حل بعدد كبير من السيدات في المملكة العربية السعودية: سيدات اعمال ومثقفات وصاحبات مناصب عليا وقعن في شباك محتال حلو اللسان والبيان اقنع كلاً منهن على حدة انه صاحب نفوذ واتصالات بجهات عليا يمكن ان تمهد لحصول المرأة على منصب وزاري ان شاءت نظير كذا وكذا. في النهاية انكشف أمره، لكن ان تصدقه امرأة ذات علم وذكاء فهو امر ينم عن طيبة شديدة واستعداد فطري لقبول الامور على ثقة من ان الاصل هو الخير والصدق.
من خلال عملي الصحافي اتلقى رسائل كثيرة من فتيات يحلمن بالحب والزواج في مجتمعات تفرض القيود على تواصل الجنسين من دون ان تفكر في صنوف الضغط النفسي الذي تحمله وسائل الاعلام والاعلان والافلام والمسلسلات الاجنبي منها وغير الاجنبي.
المهم هو ان العالم تغير والمجتمع لا يتزحزح لا بالدفاع عن ثوابته بأساليب تعترف بالتطور ولا بإيجاد الصيغة التي تكفل للاجيال تعايشا سلميا مع المتغيرات واشباعا نفسيا وعاطفيا لا يدفع بهم الى دوائر الاثم والخطر. في عصر الانترنت يتواصل الشباب ويبني الاحلام على رمال متحركة. وكم من رسالة تصلني تستحلفني صاحبتها ان افسر لها لماذا لا تنجح العلاقات التي تنشأ من خلال تبادل رسائل سيبرونية. يؤكدن ان الرسائل لا تتجاوز حدود الادب وانها مجرد تبادل للافكار ومحاولة لمعرفة الاخر. وفي بعض الاحيان تجزم صاحبة الرسالة ان العلاقة السيبرونية ساعدتها على الالتزام وانها بدورها ساعدت الطرف الاخر على الاهتمام بالدراسة وفروض الدين.
المجال هنا لا يسمح بعرض الحجج المقنعة بأن العلاقات السيبرونية وهم لأن موضوعي هو طيبة القلب من عدمها.
معظم العلاقات العاطفية الانترنتية تصل الى طريق مسدود حين يتباحث الطرفان في مسألة الزواج. وفي المراحل المبكرة من العلاقة مفهوم ان موضوع الزواج لا يمكن ان يتم إلا بعد ان يتخرج الشاب ويحصل على عمل. وحين يقترب موعد التخرج يصبح حلم الفتاة قاب قوسين او ادنى وهي تشعر ان هذا الشاب بالذات هو معقد الآمال الذي لا يمكن ان ترتبط بغيره لأن قبولها بغيره خيانة. في كل لحظة تتذكر انها ساندته في الدراسة واستمعت لمشاكله واقترحت عليه الحلول واصبح بفضلها وعلى حسب قوله مواظبا على الصلاة. فجأة تأتي رسالة تفيد بأنه فاتح امه في موضوع الزواج واكتشف انها مصرة على ان يتزوج ابنة خالته. وهو غير قادر على عصيانها لأنه يخاف من العقوق. وتقدح المسكينة زناد الفكر بحثا عن حل. وكلما اقترحت حلا وناقشته مع عاطر الذكر كلما اشتد اكتئابه وبدا لها يائسا عاجزا خصوصا وان الماما مريضة وهو يخاف على حياتها لو اشتد عليها الضغط والسكري.
اصبح مرضا الضغط والسكري هما المبرر المتكرر الذي يلجأ اليه كل شاب يريد ان ينهي حلم الحب والزواج بدون ان يبدو في نظر الحبيبة نذلاً من النوع الثقيل. الضغط والسكري هما امراض الامهات التي يذكرها عرسان الانترنت كعذر للانسحاب. وشكوى البنات تتكرر لا من ظلم الشبان ولكن من ظلم امهات الشبان لا في رسالة واحدة، لكن في مئات الرسائل. وان صدق ظني فإن الامهات يتمتعن بموفور الصحة والعافية والحمد لله.
الى ان تتعلم كل امرأة وكل فتاة ان تميز بين الطيب والخبيث يحتمل ان تقع صاحبات الفكر والذكاء والمناصب في فخاخ، شأنهن شأن كل شابة تفتح قلبها لرسالة منمقة عبر الفضاء السيبروني. ويظل السؤال بلا اجابة: هل الرجال فعلاً اطيب من النساء؟