أيها الأخوة, فتزود أبو ذر لنفسه، وحمل معه قربة ماء صغيرة، واتجه من غده إلى مكة يريد لقاء النبي عليه الصلاة والسلام، والوقوف على خبره بنفسه .
بلغ أبو ذر مكة المكرمة، وهو متوجس خيفة من أهلها، فقد تناهت إليه أخبار غضبة قريش لآلهتهم، وتنكيلهم بكل من تحدثه نفسه باتباع محمد، لذا كره أن يسأل أحداً عن محمد، لأنه ما كان يدري أيكون هذا المسؤول من شيعته أم من عدوه؟ لا يعرف .
لما أقبل الليل اضطجع في المسجد، فمر به رجل هو سيدنا علي بن أبي طالب، فعرف أنه غريب، فقال:
((هلم إلينا أيها الرجل، فمضى معه، وبات ليلته عنده، وفي الصباح حمل قربته ومزوده، وعاد إلى المسجد دون أن يسأل أحدًا عن شيء .
-أحياناً أيها الأخوة, قد يوجه الإنسان أسئلة محرجة، كأنْ يمشي مع شخص، يقول له: أراك هنا، أين ذاهب؟ لا تحرجه، ربما لا يحب أن يقول: أين هو ذاهب؟ فكل إنسان يكثر الأسئلة، يضيق على صاحبه-ثم قضى أبو ذر يومه الثاني دون أن يتعرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أمسى أخذ مضجعه من المسجد، فمر به علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ ثم اصطحبه معه فبات عنده ليلته الثانية، ولم يسأل أحدٌ منهما صاحبه عن شيء, فلما كانت الليلة الثالثة، قال علي لصاحبه: ألا تحدثني عما أقدمك إلى مكة؟ فقال أبو ذر: إن أعطيتني ميثاقاً أن ترشدني إلى ما أطلب فعلت، فأعطاه عليٌّ ما أراد من ميثاق, فقال أبو ذر: لقد قصدت مكة من أماكن بعيدة أبتغي لقاء النبي الجديد، وسماع شيء مما يقوله, فانفرجت أسارير سيدنا علي، وقال: والله إنه لرسول الله حقاً,-هذه على حد قوله تعالى:
﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾
[سورة طه الآية: 40] هذه اللقاءات العابرة، اللقاءات التي يظن أنها صدفة، فليست هي صدفة، ولكنها بقدر, قال تعالى:
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
[سورة الأنفال الآية: 17]﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى﴾
[سورة طه الآية: 40] فالله عز وجل علم صدقه، فجمعه بصاحبي جليل، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام-
قال: والله إنه لرسول الله حقاً, وإنه وإنه وإنه, وحدثه عن النبي، فإذا أصبحنا فاتبعني حيثما سرت, قال له: سر ورائي، فإن رأيت شيئاً أخافه عليك، وقفتُ كأني أريق الماء
- اتفقوا على إشارة - فانتبه وارجع، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل معي، فلم يقر لأبي ذر مضجعه طوال ليلته شوقاً إلى النبي ورؤيته، ولهفة إلى استماع شيء مما يوحى إليه .وفي الصباح مضى عليٌّ بضيفه إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضى أبو ذر وراءه يقفو أثره، وهو لا يلوي على شيء، حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم .
-يقولون: إنّ أول صحابي سلَّم على النبي بسلام الإسلام هو أبو ذر الغفاري، أما كان راجح العقل؟ بلى- حينما رأى النبي صلى الله عليه وسلم, قال: السلام عليك يا سول الله . -لنا هنا كلام جميل، فحين يتكلم الإنسانُ فإمّا أنْ يعلو أو يسقط، قال زهير بن أبي سلمى في معلقته:وكائِنْ ترَى مِنْ صَامِتٍ لكَ مُعجِبٍ زِيادَتُهُ أوْ نَقصُهُ فِي التّكَلُّـــمِ
سيدنا عمر كان مرةً ماشيًا في الطريق، فقال: السلام عليكم يا أهل الضوء, ولم يَقُلْ: السلام عليكم يا أصحاب النار, يعني اللغة شيء ثمين، مرة منشئ الأخبار صاغ الخبر التالي: يُسمح باستيراد العلف للمواطنين، هذا غير صحيح، يجب أن يقول يُسمح للمواطنين باستيراد العلف- . فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك سلام الله ورحمته وبركاته, -فعندما تقول: السلام عليكم ، يعني أنني إنسان خيَّر فلا تخف مني، الإنسان عليه أن يكثر السلام، حتى إذا دخل على أهل بيته، حتى إذا دخل إلى محل ما فليبدأ بالسلام- .كان أبو ذر أول من حيَّا الرسول بتحية الإسلام، ثم شاعت وعمَّت بعد ذلك .
أقبل النبي عليه الصلاة والسلام على أبي ذر يدعوه إلى الإسلام، ويقرأ عليه القرآن، فما لبث أن أعلن كلمة الحق، ودخل في الدين الجديد قبل أن يبرح مكانه، فكان رابع ثلاثة أسلموا أو خامس أربعة))
بعض الصحابة يقولون: كنت في وقت وأنا ثلث الإسلام، الثلث أي سبقه اثنان، الآن أنت كم سبقكم من واحد؟ ألف ومائتا مليون، أنت واحد على ألف مليون ومائتي مليون، سيدنا أبو ذر واحد على أربعة، يعني حينما دخل في الإسلام كان رابع خمسة أو ثالث أربعة .